أفكار وآراء

وكالة الأنباء العُمانية وعتاب مقبول

09 مارس 2021
09 مارس 2021

أ.د. حسني نصر -

بعد نشر مقال الأسبوع الفائت عن أزمة كورونا وإعادة تقدير دور وسائل الإعلام الوطنية، أرسل لي صديق عزيز رسالة عتاب رقيقة تذكرني بأن المقال لم يشر من قريب أو بعيد إلى دور وكالات الأنباء بوجه عام، ووكالة الأنباء العمانية بوجه خاص في تغطية الأزمة من جميع جوانبها، وإمداد الجمهور بالأخبار والمعلومات والحقائق والنصائح والإرشادات خلال الجائحة المستمرة حتى اليوم.

وإذا كان الاعتراف بالحق فضيلة، فإني أبادر بالاعتراف بأنني بالفعل لم أتناول في المقال دور وكالة الأنباء العمانية، رغم أهميته، أو دور وكالات الأنباء الأخرى، خاصة الوكالات العالمية وشبه العالمية والوطنية الأخرى، التي يمكن القول إنها كانت وما زالت لاعبا رئيسيا في الساحة الإعلامية في التزويد بالأخبار والمعلومات خلال الجائحة، ولولاها ما وصلت لنا أنباء انتشار فيروس كورونا في الصين العام الماضي ثم انتشاره الواسع في العالم.

والواقع أن عدم تناولي دور وكالات الأنباء خلال الجائحة لم يتم عن تجاهل لهذه الوكالات، أو انتقاص من هذا الدور المعترف به، ولكنه يعود إلى سببين، يتعلق الأول بطبيعة عمل وكالات الأنباء باعتبار أنها صناعة مغذية لوسائل الإعلام وليست وسائل إعلام قائمة بذاتها، ولا تتوجه مباشرة إلى الجمهور.

أما السبب الثاني فإن إعادة تقدير دور وسائل الإعلام الوطنية، الذي كان محور المقال، على خلفية معالجتها للأزمة وعودة الجمهور إلى الاعتماد عليها كمصادر موثوقة في الحصول على المعلومات، لا ينطبق على وكالات الأنباء عموما ووكالة الأنباء العمانية بشكل خاص؛ لأن هذا الدور مقدر بالفعل ولا يحتاج إلى إعادة تقدير، كونها المزود الأول لوسائل الإعلام الوطنية بالأخبار والتقارير والصور التي تغطي الشأن المحلي والعالمي، وذلك بحكم كونها مصدر الأنباء الرسمية للسلطنة كما ورد في مرسوم إنشائها، وكما تُعرّف نفسها في موقعها الإلكتروني.

لا تحتاج وكالات الأنباء إذن، ومنها وكالة الأنباء العمانية بالطبع، إلى من يعيد التذكير بدورها في الإنتاج الإخباري الوطني والعالمي، فهذه هي مهمتها التي أنشئت من أجلها، التي تتمثل في جمع الأخبار من مصادرها المختلفة، وبأعلى قدر من المهنية والكفاءة، وتوزيعها على وسائل الإعلام المشتركة في خدماتها، لنعود نحن، كقراء ومشاهدين وباحثين، لكي ننسب الدور إلى وسائل الإعلام الجماهيرية التي تصل إلى الناس مثل الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية والمواقع الإخبارية والإعلامية، ونعترف لها بالفضل، ربما دون أن يتذكر أحد -إلا فيما ندر- الجهود التي قامت بها وكالة الأنباء في جمع الأخبار والمعلومات وتقديمها على طبق من ذهب، وجاهزة تقريبًا للنشر أو الإذاعة إلى وسائل الإعلام.

صحيح أن وكالات الأنباء، بما في ذلك وكالة الأنباء العُمانية، أصبحت لها نوافذ مباشرة على جماهير وسائل الإعلام من خلال مواقعها الإلكترونية وحساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية التي تقدم الخدمات الإخبارية، أو من خلال الخدمات المدفوعة مباشرة على هواتف المشتركين، ومع ذلك يبقى دورها الأساس هو الوساطة بين من يجمعون الأخبار وبين من يستهلكونها عبر وسائل الاتصال الجماهيرية المعروفة.

واقع الحال أن وكالات الأنباء لا تمُن على الصحف ووسائل الإعلام التي تزودها بالأخبار على مدار الساعة، بل هي تتقاضى مقابلًا لذلك، إما في شكل أموال عن طريق الاشتراكات في حال الوكالات التي تستهدف الربح، وإما في شكل تقدير معنوي، ومن باب القيام بواجبها في حال الوكالات الوطنية التي تمولها الحكومات.

ويكفي هنا أن نشير إلى أن «الصحيفتين الرئيسيتين في سلطنة عمان، هما عُمان والوطن، تعتمدان، وفقًا لدراسة علمية نالت بها الباحثة سارة الهوتية درجة الماجستير من جامعة السلطان قابوس عام 2014، على وكالات الأنباء في الحصول على الأخبار الخارجية بنسبة 39.5 بالمائة، وبنسبة 40.3 بالمائة في الصفحة الأولى.

وجاءت وكالة الأنباء الألمانية في المرتبة الأولى في قائمة الوكالات الأكثر استخداما في الصحيفتين خلال عام 2013، تلتها وكالة الأنباء الفرنسية في المرتبة الثانية، ثم وكالة رويترز في المرتبة الثالثة».

وتكفي الإشارة أيضًا إلى أن مراجعة عدد واحد من صحيفة «عمان»، وهو عدد الأحد الماضي، تكشف أن وكالة الأنباء العمانية كان لها نصيب الأسد في أخبار الصفحة الأولى بواقع ثلاثة أخبار من إجمالي ثمانية أخبار نشرت في الصفحة، أي بنسبة 37.5 بالمائة، وهو ما يعد تقديرًا عمليًا لدور الوكالة، يؤكد تميزها واعتماد الصحف الوطنية الواسع عليها.

وفي الصفحات الداخلية المحلية اعتمدت الصحيفة على أخبار وتقارير الوكالة مرتين رغم ما تملكه من محررين ومراسلين يغطون السلطنة كلها.

ومع كل التقدير لوكالة الأنباء العمانية في تزويد وسائل الإعلام الوطنية بالأخبار المحلية منذ نشأتها في عام 1986، فإن دورها في جمع الأخبار الخارجية الإقليمية والعالمية جاء محدودًا للغاية، واقتصر في العدد الذي أشرنا له من صحيفة «عُمان» على خبر واحد من واشنطن، نُشر في الصفحة الأولى ويتعلق بتقدم السلطنة 5 مراكز في مؤشر الحرية الاقتصادية.

ليس من المنطقي بالطبع مقارنة هذا الدور بأدوار وكالات الأنباء العالمية الأخرى، ذات الإمكانات والتاريخ الطويل في السوق الإخباري العالمي، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن «عُمان» نشرت في العدد نفسه 14 خبرا من وكالة الأنباء الفرنسية، و7 أخبار من وكالة دبا الألمانية، و4 أخبار من وكالة الأناضول التركية، ومثلها من وكالة رويترز البريطانية.

الأمر بالتأكيد خارج نطاق المقارنة بين الوكالة الوطنية والوكالات العالمية، ولكنه فقط للدلالة على أن هذه الوكالات تقوم بمهامها في تزويد وسائل الإعلام المشتركة في خدماتها بالأخبار والصور دون أن تنتظر منها شكرًا أو تقديرًا، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال في الوكالة الوطنية عندما تزود وسائل الإعلام الوطنية بالأخبار المحلية والخارجية أيضا.

وربما تكون هذه الجائحة وانتشارها العالمي بهذا الشكل، والتداعيات المباشرة لكل ما يحدث في الدول الأخرى على الداخل الوطني، ربما تكون فرصة لإعادة التفكير في وظائف وأدوار وكالات الأنباء الوطنية، ومنها وكالة الأنباء العُمانية، وزيادة دعمها لكي تستطيع أن توفي بالتزاماتها تجاه زبائنها من وسائل الإعلام المحلية والإقليمية وربما الدولية، وأن تمد شبكة مراسليها في عواصم العالم المهمة، وتسهم في تزويد وسائل الإعلام الوطنية بأخبار وتقارير دولية تهم القارئ والمستمع والمشاهد العماني.

لا نطمح بالتأكيد في أن تنافس الوكالة الوطنية الوكالات العالمية الكبيرة، ولا هذا دورها، ولكن من المهم أن يكون لها إسهام حقيقي في التدفق الإخباري الدولي، وذلك من خلال المشاركة على الأرض بشبكة واسعة من المراسلين في المناطق الساخنة ومناطق الصراع، وفي العواصم المؤثرة في صنع القرار الدولي السياسي والاقتصادي.

وفي تقديري أن 11 مراسلًا دوليًا للوكالة الوطنية -كما جاء في موقعها الرسمي- لا يكفي بأي حال لتحقيق هذه المشاركة.

ولصديقي العزيز صاحب العتاب أؤكد أن عتابه مقبول بالقطع، وأن الدور المقدر لوكالة الأنباء العمانية في السوق الإخباري المحلي داخل السلطنة لا يحتاج إلى إعادة تقدير، ومن الطبيعي أن يقتصر هذا التقدير على الصحف ووسائل الإعلام المحلية والمعنيين بالشأن الإعلامي في المقام الأول، أما الجمهور المستهلك للأخبار، فإنه نادرا ما يسأل عن الوكالة التي تم استقاء الخبر منها، ولكنه يهتم بالوسيلة الإعلامية الجماهيرية التي نشرته.